الصلاة
التي يجب أن تصليها كل أُم
لم أكن أظن أني سأحب أحداً حبّاً حقيقياً ومُطلقاً وبلا شروط، إلاَّ حينما كنتُ في المستشفى وأتت إليَّ الممرضة بمولودتي الجديدة. وكان شعوري وكأن أرواح الأُمهات منذ حواء وإلى يومنا الحاضر قد اجتمعن حولي وقُلن لي: ”الآن سوف تتعلَّمين عن المحبة غير المشروطة“!
ومن ذلك اليوم صرتُ أتعلَّم المحبة غير المشروطة لأطفالي الأربعة، ومنهم واحد كان مُعوَّقاً، وقاسيتُ معه ومن أجله بمحبة شديدة.
صدِّقوني لقد قضيتُ مئات الليالي وأنا لا أفعل شيئاً إلاَّ أن أُصلِّي، طالبة من الله الحكمة والشفاء والسلامة لابني هذا ولباقي أطفالي وكل الأطفال.
ولكني أعترف أني كثيراً ما أصابني الخَوَر.
لذلك لم أجد مخرجاً إلاَّ بتلك الأُم المثابرة اللجوجة التي تحَاوَرَ معها الرب يسوع المسيح
(المرأة الكنعانية: مت 15: 21-28؛ مر 7: 24-30)
، فقد صار لي إيمان راسخ يجعلني أظل أصرخ إلى الله طالبة المعونة والشفاء.
ففي هذه القصة نقرأ أن الرب يسوع كان يزور مدينة صور على شاطئ البحر. ولم يذكر الإنجيل لماذا ذهب الرب إلى هناك، هل للاختلاء أم للكرازة، وعلى الأخص أن إنجيل مرقس يذكر أن الرب دخل بيتاً وهو يريد أن لا يَعْلَم أحد بوجوده. لكنه لم يقدر أن يختفي لأن هذه المرأة كان بابنتها روح نجس، وهي قد سمعتْ بمجيء الرب فأتت وخرَّت عند قدميه. ويذكر الإنجيل أن المرأة لم تكن يهودية، بل من الأُمم أي من الوثنيين سكان سوريا. هذه المرأة أتت وقد تركت ابنتها في البيت، ولازمت المسيح وخرَّت عند قدميه، وسألته أن يُخرِج الشيطان من ابنتها. وكانت تلحُّ وتصرخ.
تقول القصة إن التلاميذ ضجوا من صياحها وقالوا للمسيح: اصرفْها، لأنها تصيح وراءنا. فهُم لم يأبهوا للألم الذي يُصيبها كونها أُمّاً، ولكون ابنتها مريضة بلا شفاء. لقد كانوا ينشدون الهدوء والسكون!
وهذا هو ما يكسر قلوب الآباء والأُمهات كمثل هذه المرأة ومثل ابننا المريض. فحتى أصدقاؤنا المسيحيون قد لا يأبهون بل يضجُّون مـن مشكلة مثل مشكلتنا. ربمـا لأنهم لا يعرفون كيف يُساعدوننا، أو ربما يكون عندهم إجابات قاسية مثل تلك الإجابة التي سمعتها هذه المرأة.
++++
ولكن لحسن الحظ فإن الرب يسوع لا يملُّ ولا يتعب من احتياجاتنا المُلحَّة، ولا هو يكلُّ من سماع التوسُّلات المتكررة من أُمٍّ لجوج مثل هذه الأُم.
أما الحوار العجيب الذي تمَّ بين الرب يسوع والأُم اللجوج فكان كالآتي
(بكلمات من عندنا لزيادة الإيضاح):
- لا أستطيع مساعدتك. فأنا لم أُرسَل إلاَّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (أي إلى اليهود).
- طيِّب، ساعدني بأية طريقة من فضلك.
- لا، ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُعطَى للكلاب (كما هو مكتوب في التقليد اليهودي أنَّ كل مَن هو غير يهودي محسوب مثل الكلاب).
(المسيح هنا يريد أن يُظْهِر إلى العلانية، وأمام اليهود الحاضرين، عَظَمَة إيمان هذه المرأة التي لم يجد مثلها في كل اليهود! ليروا ماذا سيفعل مع هذه المرأة غير المؤمنة).
وهنا تُظهِر المرأة غير المؤمنة (بموجب الوضع الرسمي الطبيعي) عَظَمَة إيمانها (بموجب النعمة الإلهية)، فتقول:
- هذا صحيح، ما تقوله يا سيد، ولكن حتى الكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها!
? وعند هذا الإلحاح والثقة المتناهيتين، مع التواضع وانكسار النفس أمام خالقها، صرخ المسيح:
- يا امرأة، عظيمٌ إيمانكِ. لأجل هذه الكلمة، اذهبي، ليكن لكِ ما تريدين. قد خرج الشيطان من ابنتك.
لقد تجاهلت المرأة ردَّ فعل التلاميذ الذي يُعبِّر عن طغيان تقاليد الناس على تعليم الله، ومن إحباط البشر للإنسان المتألِّم؛ وتمسَّكت بالقلب المُحِب الممتلئ رحمة الذي للرب يسوع. وكل أب وكل أُم يمكنهما أن يفعلا نفس الشيء.
++++
وفي ليلة كانت حالة ابني ميئوساً منها، فإذا بي أحسُّ وكأني أحمل ابني في ليلة قاتمة، وأنا سائرة في طريق صخري صاعد. وكان ثقل ابني يزداد على كاهلي، والطريق صعب، وظللتُ أسير إلى أن عجزتُ عن مواصلة السير، وإذا بي أرى أمامي صليب المسيح والرب مصلوباً عليه، ودمه يقطر وينزف. وبخشوع وخوف، لمستُ دمه، فأحسستُ بأني صرتُ أقوى على المسير، والرجاء ملأ قلبي.
وعرفتُ ماذا عليَّ أن أفعل، أن أُصلِّي الصلاة التي يجب على كل أُم أن تصليها من أجل ابنها، سواء شُفِيَ أم لم يُشفَ:
- ”بقوة دم صليبك يا ربي يسوع المسيح، ضع كل فكر وتصوُّر يجول في ذهن ابني، وكل حركة تتحرك في قلبه، وكل عمل يجري من تحت يديه، وكل خطوة يخطوها؛ اجعلها كلها تحت سلطان ربوبيتك، يا رب. لتكن له مُعيناً أن يُحبك من كل قلبه وكل فكره وكل نفسه، وأن يحب قريبه كنفسه“.
وحينئذ أحسستُ كأني ألمس دم صليب الرب، وأنا أسأله: ”وماذا ستفعل الآن، يا رب“؟
فأحسستُ وكأنه يقول لي: ”اتركيه معي“!
فوضعتُ ابني تحت أقدام صليب رب المجد. وعندئذ أفقتُ من إحساساتي هذه.
وما زلتُ أُصلِّي من أجل ابني، ولكني أُصلِّي بثقة بدلاً من القنوط والخوف اللذين كانا عندي. وكمثل المرأة اللجوج، وضعتُ ابني عند أقدام المسيح، واثقة أن محبته تشفيه. ولم أشكَّ في أن الرب يسوع هو أيضاً يريد أن ابني يكون معافى.
++++++
ثم بدأتُ ”صلاة الأُم اللجوج“ مع أُمهات وجدَّات كثيرات أُخريات من أجل أن يجعل المسيح أطفالهم في صحة روحية كاملة، في عالم يسعى الشيطان فيه أن يُدمِّرهم تماماً. وسنظل جاثين على رُكبنا عند قدَمَي المسيح متوسلين إليه من أجل شفاء نفوس أبنائنا وبناتنا، وحتى ننال ما نريده من المسيح، واثقين كل الثقة في محبة الرب يسوع القوية القادرة أن تشفيهم حتى بالفتات.
+ ويا ليت الجميع يُشاركوننا في ”صلاة الأُم اللجوج“ من أجل أبنائنا وبناتنا في مصر والعالم أجمع. ?