تعمل دورة الشعانين فى رفع بخور باكر ويقرأ بها 12 إنجيلا :
( 1 ) قدام الهيكل الكبير [ مز 104 : 4 ، 138 : 1 ]
" الذى صنع ملائكته أرواحا ، وخدامه نارا تلتهب . أمام الملائكة أرتل لك ، وأسجد قدام هيكلك المقدس . الليلويا ".
الإنجيل من يوحنا 1 : 44 – 52 .
( 2 ) أمام أيقونة السيدة العذراء [ مزمور 87 : 3 ، 5 ، 7 ]
" أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله ، هو العلى الذى أسسها إلى الأبد ، لأن سكنى الفرحين جميعهم فيك . هلليلويا " .
الإنجيل من لوقا 1 : 39 – 56 .
( 3 ) أمام أيقونة الملاك غبريال [ مزمور 34 : 7 ، 8 ] .
" يعسكر ملاك الرب حول كل خائفيه وينجيهم . ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى للإنسان المتكل عليه . الليلويا " .
الإنجيل من لوقا 1 : 26 – 38 .
( 4 ) أمام أيقونة الملاك ميخائيل [ مزمور 103 : 20 ، 21 ] .
" باركوا الرب يا جميع ملائكته ، المقتدرين بقوتهم ، الصانعين قوله . باركوا الرب يا جميع قواته ، خدامه العاملين إرادته . هلليويا " .
الإنجيل من متى 13 : 44 – 53 .
( 5 ) أمام أيقونة مار مرقس الإنجيلى [ مزمور 68 : 11 ، 12 ] .
" الرب يعطى كلمة للمبشرين بقوة عظيمة . ملك القوات هو الحبيب . وفى بهاء بيت الحبيب قسموا الغنائم . هلليلويا " .
الإنجيل من لوقا 10 : 1 – 12 .
( 6 ) أمام أيقونة سادتنا الرسل [ مزمور 19 : 3 ، 4 ] .
"الذين لا تسمع أصواتهم ، فى كل الأرض خرج منطقهم ، وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم . هلليلويا " .
الإنجيل من متى 10 : 1 – 8 .
( 7 ) أمام أيقونة الشهيد مارجرجس ( أو أى شهيد من الشهداء ) [ مزمور 97 : 11 ، 12 ] .
" نور أشرق للصديقين ، وفرح للمستقيمين بقلبهم . أفرحوا أيها الصديقون بالرب ، وافتخروا لذكر قدسه . الليلويا " .
الإنجيل من لوقا 21 : 12 - 19 .
( 8 ) أمام أيقونة أنبا انطونيوس (أو أى قديس من القديسين ) [ مزمور 68 : 35 ، 3 ] .
" عجيب هو الله فى قديسيه . إله إسرائيل هو يعطى قوة وعزة لشعبه . الصديقون يفرحون ويتهللون أمام الله ويتنعمون بالسرور . الليلويا " .
الإنجيل من متى 16 : 24 – 28 .
( 9 ) أمام الباب البحرى [ مزمور 84 : 1 ]
" مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات تشتاق وتذوب نفسى للدخول إلى ديار الرب . الليلويا " .
الإنجيل من لوقا 13 : 23 – 30 .
( 10 ) أمام اللقان ( غسيل الأرجل ) [ مزمور 29 : 3 ] .
" صوت الرب على المياة . إله المجد أرعد . الرب على المياة الكثيرة . صوت الرب بقوة . الليلويا " .
الإنجيل من متى 3 : 13 – 17 .
( 11 ) أمام باب الكنيسة القبلى [ مزمور 118 : 19 ، 20 ] .
" أفتحوا لى أبواب البر لكى أدخل فيها واعترف للرب . هذا هو باب الرب والصديقون يدخلون فيه . الليلويا " .
الإنجيل من متى 21 : 1 – 11 .
( 12 ) أمام أيقونة القديس يوحنا المعمدان [ المزمور : " وأنا مثل شجرة الزيتون المثمرة فى بيت اللــه ، أتمسك باسمك فإنه صالح قدام أبرارك .الليلويا " .
الإنجيل من لوقا 7 : 28 – 35 .
فى نهاية الدورة تصلى أوشية الإنجيل ثم مزمور وإنجيل باكر أحد الشعانين . وتختم الصلاة كالمعتاد .
+ + +
أناجيل القداس :
( 1 ) مزمور 81 : 3 ، 1 ، 2 [ بوقوا فى رأس الشهر بالبوق . فى يوم عيدكم المشهور . ابتهجوا بالله معيننا . هللوا لإله يعقوب . خذوا مزمارا واضربوا دفا . مزمارا مطربا مع قيثار . الليلويا ]
الإنجيل من متى 21 : 1 – 17 .
( 2 ) الإنجيل من مرقس 11 : 1 – 11 .
( 3 ) الإنجيل من لوقا 19 : 29 – 48 .
( 4 ) + أوشية الإنجيل مرة أخرى ، ثم المزمور والإنجيل الرابع . [ مزمور 65 : 1 ، 2 ]
" لك ينبغى التسبيح يا الله فى صهيون . وإليك توفى النذور فى أورشليم . استمع يا الله صلاتى لأنه إليك يأتى كل بشر . الليلويا " .
الإنجيل من يوحنا 12 : 12 – 19 .
+ + +
أحـــــد الشـــــعانين :
غادر السيد المسيح بيت عنيا صباحا مع تلاميذه ، وعندما وصل إلى بيت فاجى وهى قرية قريبة من أورشليم بالقرب من جبل الزيتون ، أرسل أثنين من تلاميذه ليحضروا له أتانا وجحشا .. ركب السيد المسيح الأتان فى الجزء الأول من الطريق ثم أكمل الطريق راكبا الجحش ، وفى هذا دلالة رمزية إلى ترك الله للأمة اليهودية التى ترمز إليها الأتان ، وإلى قبول الله للأمم الوثنية ويرمز إليهم بالجحش ، وكما أن خروف الفصح يجب أن يؤخذ ويفرز فى اليوم العاشر من الشهر قبل ذبحه بأربعة أيام فى اليوم الرابع عشر من الشهر ( خروج 12 : 3 – 6 ) . هكذا السيد المسيح فصحنا الحقيقى دخل أورشليم فى اليوم العاشر من الشهر .هكذا بقى حمل الله الذى يرفع خطيئة العالم بين جدران أورشليم مترددا بين الهيكل وبيت عنيا .
ولما أقترب السيد المسيح من أورشليم وظهرت أمام عينيه مبانى الهيكل المغشاة بالذهب ... وأشعة الشمس تنعكس عليها معطية إياها منظرا أخاذا ، بكى عليها .. بكى عليها فى يوم مجده .. مشفقا عليها من نتيجة رفضها له ، وما سيحيق بها حين يحل بها غضبه الإلهى ... ويتركها لتدمرها جحافل الجيوش الرومانية سنة 70 م .
وحين بدت أورشليم أمام أعين التلاميذ ثارت فيهم عواطفهم الدينية فهتفوا للرب ولم يجدوا إلا ثيابهم ليفرشوها على الطريق ... وآخرون قطعوا أغصانا من الشجر ... ولما : " سمع الجمع العظيم الذى جاء للعيد أن يسوع قادم إلى أورشليم ، فأخذوا سعف النخل ، وخرجوا لأستقباله ، وهم يهتفون قائلين : هوشعنا . تبارك الآتى بأسم الرب ملك إسرائيل ... أوصنا لأبن داود ، أوصنا فى الأعالى ..." معترفين أنه المسيح الآتى من نسل داود وأنه آت بأسم الرب .
والعجيب أن يذكر كل من انجيل القديس متى وانجيل القديس مرقس أن الجماعة التى خرجت لأستقباله قسمت نفسها إلى خورس يمشى أمام السيد المسيح وخورس يمشى ورائه .
ومن العجيب أن يفسر المدراش ( كتاب لتفاسير ودراسة المزامير وبقية الأسفار عند اليهود ) الآية : " هذا هو اليوم الذى صنعه الرب .. نبتهج ونفرح فيه " ( المزمور 118 : 24 ) .. بأن ذلك يعنى يوم الفداء الذى سينهى كل العبودية إلى الأبد ... والشـــــارح يصور خورسا من المسبحين من رجال أورشليم يتجاوبون مع رجال يهوذا ... والمسيا المنتظر يقترب من أورشليم .. مرددين كلمات المزمور 118 .. ثم بعد ذلك تتحد جماعة أورشليم مع جماعة يهوذا فى تسبيح واحد .......
والعجيب أن يذكر الكتاب المقدس : " ولم يفهم تلاميذه ذلك فى مبدأ الأمر ، ولكنهم لما تمجد يسوع تذكروا أن ذلك مكتوب عنه ، وأنهم فعلوا له هذا " .
إن مسيحنا ملك متواضع ، مملكته ليست من هذا العالم – إن مسيحنا ملك ولكنه غريب عن العالم ليس له أين يسند رأسه ، فالويل للكنيسة التى تؤمن فى امكانياتها المادية فى هذا العالم ولا تحيا حياة الغربة ... سيتلقفها العالم وتخرج من ملكية الملك الغريب .
هذا الملك المتواضع الغريب رفضه اليهود ، لأنه لم يأت كما أرادوه ، إننا يا إخوتى لا بد أن نقبل المسيح كملك لا كما نريد نحن بل كما يريد هو ، نقبله ملكا غريبا ، ومرفوضا من العالم ، فالمسيح ملك للمتواضعين ، إذا لننسحق الآن فى الكنيسة ونتضع لكى يملك الرب علينا " ليأت ملكوتك " .
أحداث الأسبوع الأخير تسير بسرعة وأنجيل باكر أحد الشعانين يقول : " يا زكا أسرع وانزل "
معنى ذلك أن أحداث الخلاص تسير بسرعة مهولة ، ومن يتأخر ولا يسرع تفوته .
الأحداث من أحد الشعانين إلى الصليب ( ساعة الصفر ) مركزة بصورة رهيبة لا تستطيع كتب العالم أن تستوعبها .....
ووراء المسيح يسير الأطفال هاتفين وفرحين .... ورؤساء اليهود يأكلهم الغيظ ، ربنا تهلل بالروح وقال أحمدك أيها الآب السماوى لأنك أعلنت هذه للأطفال وأخفيتها عن الحكماء دخل السيد المسيح أورشليم باحتفال عظيم ، كما تنبأ عنه زكريا قائلا : " إبتهجى جدا يا إبنة صهيون ، إهتفى يا بنت أورشليم ، هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وراكب على حمار وعلى جحش إبن أتان " . ( زك 9 : 9 ) .
+ + +
[ يوحنا 12 : 12 – 19 ]
دخوله أورشليم منتصرًا
"وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم". (12)
"فأخذوا سعوف النخل،
وخرجوا للقائه،
وكانوا يصرخون:
أوصنا،
مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل". (13)
كان سعف النخيل يشير إلى النصرة، لهذا دعا شيشرون إنسانًا نال جوائز كثيرة "رجل السعف الكثير". لقد غلب السيد قوات الظلمة بموته، لهذا استحق أن يحملوا سعف النخيل أمامه.
هذا وحمل سعف النخيل كان يمثل دورًا رئيسيًا في الاحتفال بعيد المظال، فكان علامة للبهجة بالعيد. وكأن المسيح هو عيدنا، مفرح قلوبنا.
يشبه سليمان الحكيم النفس المحبوبة لعريسها السيد المسيح بالنخلة: "قلت إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها" (نش ٧: ٨).
اعتاد الأقباط في أحد الشعانين أن يتباروا في اقتناء السعف وجدله وتزيينه بالورود ووضع "قربان على شكل صليب" فيه... كعلامة مبهجة لاستقبال النفس لعريسها الغالب، وبهجة القلب بالملك السماوي، مخلص النفوس من الفساد. ولا يزال كثيرون يحتفظون بالسعف المجدول من أحد الشعانين حتى يحل أحد الشعانين التالي، علامة استمرارية الترحيب بالملك في القلب كما في الأسرة داخل البيت.
قدموا صرخات مستقبلية مقتبسة من مز ١١٨ : ٢٥-٢٦. هكذا جاء لقاء الشعب متناغمًا مع الفكر الكتابي، إذ لمسوا فيه أنه المسيا المنتظر، بينما أصيبت القيادات الدينية بالعمى الروحي.
مع أنه جاء فقيرًا بلا مجد زمني، لكن الشعب استقبله كملكٍ مخلصٍ لإسرائيل. أدركوا أنه الملك البار القادم باسم الرب (مز ٢: ٦). قبلوا مملكته بكل قلوبهم، عبروا عن ذلك بقولهم "أوصنا" أو "هوشعنا"، وتعني "خلصنا".
فتح الشعب قلوبهم ليدخل فيها رب المجد، وكأنهم ترنموا مع المرتل قائلين: "ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد... الرب القدير الجبار، الرب الجبار في القتال" (مز ٢٤: ٧-٨).
+ سعف النخيل هو رمز للمديح يشير إلى النصرة، إذ جاء الرب للنصرة على الموت بالموت، وبغلبة صليبه يهزم رئيس الموت.
+ "مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل" (١٣). بالأحرى يفهم "باسم الرب" أنه "باسم الله الرب" كما يمكن أن يفهم على أنه باسمه هو، بكونه هو الرب.
+ أية محنة ذهنية عانى منها رؤساء اليهود وهم يسمعون جمهورًا عظيمًا كهذا يعلنون أن يسوع هو ملكهم!
لكن أية كرامة ينالها الرب ليكون ملكًا لإسرائيل؟
أي أمر عظيم لملك الأبدية أن يصير ملكًا للبشر؟
فإن ملوكية المسيح على إسرائيل ليس بقصد نوال جزية، ولا بتقديم سيوف في أيدي الجنود، ولا لهزيمة أعدائه في حرب علنية، لكنه هو ملك إسرائيل في ممارسته سلطانه الملوكي على طبيعتهم الداخلية، وفي تدبير اهتماماتهم الأبدية، وفي جلب الذين لهم الإيمان والرجاء والمحبة متركزة فيه إلى ملكوته السماوي. لهذا فإنه بالنسبة لابن الله، المساوي للآب، الكلمة الذي به كان كل شيء، وبمسرته صار ملكًا لإسرائيل، هو عمل فيه تنازل وليس فيه ارتفاع له. إنه سمة حنو، وليس تزايد في السلطة. فإن ذاك الذي كان يُدعى ملك إسرائيل على الأرض، يُدعى رب الملائكة في السماء.
القديس أغسطينوس
"ووجد يسوع جحشًا،
فجلس عليه كما هو مكتوب". (14)
اعتاد السيد المسيح أن يدخل مشيًا على قدميه، لكنه الآن يمتطي جحشًا في تواضع عجيب. لم يأتِ راكبًا مركبة كسليمان (نش ٣: ٩-١٠) بأعمدة من فضة وقواعد من ذهب ومغشاة بالأرجوان. لم يكن مجده ماديًا، لأن مملكته ليست من هذا العالم، لهذا لم يحمل مظهر الأبهة.
"فجلس عليه"، لم يقل "ركبه"، إذ أراد الإنجيلي أن يبرز موقفه كملكٍ يتربع على العرش.
ما ورد هنا باختصار ذكره الإنجيليون الآخرون في شيء من التوسع (مت ٢١: ١-١٦؛ مر ١١ : ١-١١؛ لو ١٩: ٢٩-٤٨).
"لا تخافي يا ابنة صهيون،
هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش اتان". (15)
يدعو النبي ابنة صهيون أن تتطلع إلى ملكها المتواضع والوديع الذي يملأ حياتها ببهجة النصرة، لذا يدعوها ألا تخاف، بل تفرح وتتهلل، فقد جاء لكي ينزع عنها القلق والخوف. لقد تحققت نبوة زكريا النبي: "ابتهجي جدًا (لا تخافي) يا ابنة صهيون... هوذا ملكك يأتي إليك، وهو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك ٩ : ٩). إنه لم يأتِ لكي ينتقم من الأعداء، يهودًا كانوا أم رومانيين، وإنما جاء ليحل بسلامه السماوي ومجده العلوي عليهم. هذا ما عبَّر عنه الإنجيلي لوقا: "سلام في السماء، ومجد في الأعالي" (لو ١٩ : ٣٨). ويعلق القديس أغسطينوس على ذلك قائلاً:
+ قيل لها "لا تخافي"، لتعرفيه ذاك الذي الآن تمجديه، ولا تعطي للخوف طريقًا إذ يأتي ليتألم. فإنه بسفك دمه يُمحى ذنبك، وتُرد لك حياتك. أما عن الجحش ابن الأتان الذي لم يركبه إنسان قط (كما ورد في الإنجيليين الآخرين) فيفهم شعوب الأمم التي لم تتقبل ناموس رب، وأما الأتان... فيشير إلى شعبه الذي جاء من إسرائيل وخضع لمعرفة مزود سيده.
القديس أغسطينوس
+ "لا تخافي يا ابنة صهيون"، لأن ملوك اليهود كانوا غالبًا ظالمين وطامعين، إذ سلموهم لأعدائهم وجعلوهم تحت الجباية عند محاربيهم... لكن ليس هذا هو حال ذاك الوديع والمتواضع كما يظهر من ركوبه الأتان، لأنه لم يدخل المدينة يقتاد جيشًا، لكنه جلس على الأتان فقط.
القديس يوحنا الذهبي الفم
"وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً،
ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه،
وأنهم صنعوا هذه له". (16)
لم يستطع التلاميذ إدراك حقيقة الأحداث وما وراءها، وكيف تحققت نبوات العهد القديم إلاَّ بعد أن تمجّد السيد المسيح بقيامته وفتح قلوبهم بالحب وأذهانهم بروح المعرفة، فأدركوا أنهم تمتعوا بالعهد الجديد الذي اشتهاه الأنبياء قديمًا.
يقدم لنا الإنجيلي هذه الملاحظة أن التلاميذ لم يفهموا الأحداث أنها تتمم النبوات حتى حلّ الروح القدس عليهم بعد أن تمجد المسيح بصلبه وقيامته فأدركوها. كانوا كأطفالٍ صغارٍ يتصرفون وهم لا يدركون الأمور، لكنهم إذ بلغوا النضوج عرفوا ما وراء الأحداث من أسرارٍ إلهية، وعرفوا خطة الله للخلاص.
+ أرأيت كيف أن التلاميذ جهلوا أكثر النبوات عن السيد المسيح إذ لم يعلنها لهم؟ ولا حين قال: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19) عرفوا ذلك. يقول إنجيل آخر: "كان هذا الأمر مُخفي عنهم" (لو ١٨: ٣٤)، ولن يعرفوا أنه كان ينبغي أن يقوم من الأموات...
انظر إلى فلسفة البشير، كيف أنه لم يخجل من إشهار غباوة التلاميذ الأولى.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ لم يخجل القديس يوحنا من الاعتراف بجهل التلاميذ، فقد عاد وأظهر معرفتهم، لأنه لم يضع في اعتباره تكريم الناس، بل كان يدعو لمجد الروح.
القديس كيرلس الكبير
اختلفت وجهات النظر نحو هذا الموكب الفريد:
1. تطلع إليه السيد المسيح أنه موكب المجد خلال الصليب، فقد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان بتقديم نفسه حمل الفصح عن العالم كله، ليعبر بالمؤمنين من عبودية إبليس إلى كنعان السماوية.
2. وتطلع إليه رجال العهد القديم وهم في الجحيم، ليروا تحقيق الرموز والنبوات، وقد حانت اللحظات التي طالما ترقبوها بشوقٍ عظيمٍ، ليأتي من يخرج بهم إلى الفردوس، حاملاً إياهم غنائم سماوية.
3. وتطلع التلاميذ إلى الموكب، ولم يفهموا شيئًا! دخلوا في حالة ارتباك شديد!
4. تطلع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى الموكب أنه دمار تام لمراكزهم ومصالحهم الشخصية.
5. تطلعت الجموع إلى الموكب أنه دخول إلى عصرٍ جديد، حيث جاء من يخلصهم من الاستعمار الروماني، ويهبهم مجدًا زمنيًا!
6. أخيرًا تطلع السمائيون إلى الموكب وهم يدهشون أمام تواضع كلمة الله المتجسد، وهو ملك السماء والأرض، يجلس على جحش ويزفه بشر ضعفاء... ماذا وراء تواضعه هذا وحبه للبشر؟!
"وكان الجمع الذي معه يشهد أنه دعا لعازر من القبر،
وأقامه من الأموات". (17)
خروج هذه الجموع الغفيرة للقائه كان بسبب إقامة لعازر، وفي نفس الوقت أعطى الفرصة للحديث عن إقامة لعازر من الأموات، فتعلق به كثيرون، وتزايد بالأكثر حسد الفريسيين، وفقدوا كل أملٍ لهم في محاصرة شعبية يسوع المسيح والحدّ من سلطانه، فلم يكن أمامهم سوى الإسراع بقتله والخلاص منه. قُدمت عظات كثيرة للشعب، وصنعت آيات لا حصر لها، لكن إقامة لعازر من الأموات جذبت جماهير نحو السيد المسيح. فإنه ليس من أمر يحطم الإنسان مثل الموت، ولا ما يبهجه مثل القيامة من الموت.
+ لم يرد كثيرون أن يتغيروا في الحال حتى آمنوا بالمعجزة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
"لهذا أيضًا لاقاه الجمع،
لأنهم سمعوا أنه كان قد صنع هذه الآية". (18)
"فقال الفريسيون بعضهم لبعض:
انظروا إنكم لا تنفعون شيئًا،
هوذا العالم قد ذهب وراءه". (19)
الآن تحققت كل مخاوف القيادات الدينية، خاصة رؤساء الكهنة والفريسيين، فقد كاد الأمر يفلت من أيديهم، إذ تحرك الشعب ككل في موكب هزَّ مدينة أورشليم. فمن جانب اكتشف الفريسيون حقيقة أنفسهم: "إنكم لا تنفعون شيئًا" (19)، ومن الجانب الآخر شعر الفريسيون كأن العالم كله ذهب وراءه، وهنا يقصد به العالم اليهودي، أي كل إنسان، قد التصق به كتلميذٍ له. وأن كل تأخير في الخلاص منه يمثل خطرًا يصعب علاجه.
+ قول الفريسيين: "هوذا العالم قد ذهب وراءه" قصدوا بالعالم هنا الجمع، لأن من عادة الكتاب المقدس أن يدعو الخليقة والسالكين في شرهم عالمًا، فقد قال السيد المسيح لتلاميذه: "لا يقدر العالم أن يبغضكم، ولكنه يبغضني أنا، لأني أشهد عليه أن أعماله شريرة" (يو 7: 7).
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ + +